القائد العام لليونيفيل يخاطب سكان جنوب لبنان، ٨ تموز ٢٠١٠

8 يوليو 2010

القائد العام لليونيفيل يخاطب سكان جنوب لبنان، ٨ تموز ٢٠١٠

وجّه القائد العام لليونيفيل اللواء ألبيرتو اسارتا كويباس رسالة مفتوحة إلى سكان جنوب لبنان بعد الإشكالات الأخيرة بين جنود اليونيفيل وبعض القرويين المحليين.

وفي ما يلي نص الرسالة:

 

رسالة مفتوحة إلى أهالي الجنوب اللبناني
 

باسم السلام، وباسم الأمم المتّحدة التي نعتزّ جميعنا بعضويّتنا فيها، اسمحوا لي أوّلاً أن أدخل حياتكم، فآخذ من وقتكم الثمين بضع دقائق لأشاطركم أفكاري. أودّ أن أعرب عن شعوري حيال ما تقوم به اليونيفيل في جنوب لبنان، وحيال الطريقة التّي تتبعها، والسبب في تأديتها لعملها. 

إنّني كأحد حفظة السلام، كجنديّ، كرجل سلام، كشخص يكنّ هذا الشعب محبّةً جمّة، أودّ أن أتوجّه ببضع كلمات تنمّ عن صدقٍ تام من أعمق أعماق قلبي. ففي القلب ينشأ ذاك الرابط الإنساني الصلب، ذاك الّذي نما بيننا نحن كحفظة سلام وبينكم أنتم أهالي الجنوب، طوال كلّ سنوات الحروب والدمار التي عانيناها معًا، والقلب أيضًا هو الّذي يتألمّ جرّاء كلّ ما يضرّ بهذه العلاقة الغالية علينا. أريد أن أخاطبكم بشكل مباشر، من دون وسطاء، لئلاّ يحصل أيّ سوء تفاهم، أو تلاعب، أو تفسيرات مغلوطة، في هذه الرسالة المفتوحة الّتي تصلكم من خلال الإعلام اللبناني. 

كما تعلمون جميعًا، ألقت بعض الأحداث الأخيرة بظلالها على المناخ الإيجابي الّذي عمل فيه حفظة السلام التابعين لليونيفيل، بالتنسيق الوثيق مع الجيش اللبناني، لأجل سلامتكم وأمنكم. ونحن مدركون تمامًا للمشاكل التي قد تتسبب بها العمليّات العسكريّة في المناطق المدنيّة للأهالي. وفي حين أنّنا نتّخذ كلّ ما أمكن من تدابير للحدّ من مضايقة السكّان، فقد تواجهون رغم ذلك بعض المشاكل. أمّا الطريقة في معالجة هذه المشاكل، فتكون بمناقشتها مباشرة مع اليونيفيل، كما فعلنا دائمًا بهدف إيجاد الحلول الوديّة، وليس من خلال إعاقة عمل حفظة السلام أو ضربهم. وانطلاقًا من هذه الروحيّة، دعوني أشرح لكم ما تقوم به اليونيفيل على الأرض. 

تضمّ اليونيفيل نحو ١٢ ألف عسكريّ، وأكثر من ألف موظّف مدنيّ. جميعنا نبذل يوميًّا أقصى جهودنا لحماية حياة السكان وممتلكاتهم في المنطقة الواقعة ما بين نهر الليطاني والخطّ الأزرق. ونحن نعمل إلى جانب الجيش اللبناني والحكومة اللبنانيّة، وندرك تمامًا أنّ المنطقة شاهدة على صراع طويل ومتعدد الأوجه، كما أنّنا مدركون أنّكم غالبًا جدًّا ما عانيتم آثار الحرب المدمّرة. لذلك، جئنا إلى هنا من بلادنا النائية، بدعوة من الحكومة اللبنانيّة، لتأدية مهام محدّدة طلبتها الحكومة اللبنانيّة وأذن بها مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، بهدف إعادة الأمن والاستقرار لأهالي الجنوب اللبناني. 

تنتشر قوّات اليونيفيل في الجنوب اللبناني لتنفيذ ولاية القرار ١٧٠١ (٢٠٠٦) الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة بعد حرب العام ٢٠٠٦. 

إنّ جميع أفراد اليونيفيل يعملون تحت إمرتي، وقد تلقّوا أوامر صارمة بتنفيذ الولاية الموكلة إلينا باحترام تام لثقافة الشعب المُضيف وتقاليده، وباحترام تام للملكيّة الخاصّة، وباحترام تام لخصوصيّة الحياة اليوميّة في شوارع القرى، وباحترام تام لرغبة السكّان بألاّ تؤخذ لهم صور. لقد تلقّى جنودنا أوامر واضحة ألاّ يأخذوا الصور إلاّ في حال كانت ذات ضرورة قصوى لأسباب عملانيّة؛ وأوامر واضحة ألاّ يستخدموا المركبات القتاليّة المجنزرة إذا انطوى ذلك على احتمال إلحاق الضرر بالبنية التحتيّة العامّة أو الخاصّة؛ وأوامر واضحة بإصلاح الضرر عند وقوعه والتكلّم مع المرجعيّات والمجتمعات المحليّة لتوضيح أيّ سوء تفاهم قد ينشأ عن أعمالنا. وهذا يظهر في واقع أن قوّات اليونيفيل قد توخّت أقصى درجات ضبط النفس عندما واجهها مدنيّون هائجون، وحاولت دائمًا أن تشرح للناس ما تقوم به، وأن تخفّف من حدّة التوتّر بمساعدة الجيش اللبناني. 

أتوقّع عمومًا من حفظة السلام أن يتصرّفوا بكلّ احترافيّة، وموضوعيّة، وشفافيّة، وأن يقدّموا أفضل ما عندهم لضمان الأمن والحماية للأهالي، ولإتمام المهمّة من دون التدخّل في حياة المواطنين اللبنانيّين اليوميّة. وعلى جنودي قبل كلّ شيء العمل بالتنسيق الوثيق مع الجيش اللبناني، ولاسيّما عند تنفيذ المهام الحسّاسة. 

تلك هي أوامري؛ وتلك كانت أيضًا أوامري لمّا كنت قائدًا للقطاع الشرقي في اليونيفيل خلال الفترة الممتدّة بين كانون الأوّل ٢٠٠٨ ونيسان ٢٠٠٩. ودعوني أقول لكم إنّني كنت في غاية السعادة خلال مهمّتي الأولى في لبنان، فقد دخلتم قلبي إلى حدّ أنّني قطعت عهدًا أن أعود في مطلق الأحوال، إمّا كسائح، أو كقائد لليونيفيل، كما هي الحال الآن. 

وها إنّي هنا اليوم من جديد، مع مسؤوليّات جديدة وإن كان الهدف نفسه، ألا وهو أن يكون ممكنًا لجميع الرجال والنساء في اليونيفيل أن يبقوا إلى جانبكم؛ فنحن بوجودنا، وبما نمثّله في العالم نساهم في حمايتكم، ونؤمّن الاستقرار لمنطقة من لبنان عانت الكثير. وبصفتنا ضيوفكم، فالرفاه الّذي ننعم به أثناء وجودنا هنا لهو نتيجة جهودكم جميعًا: أنتم أهالي الجنوب اللبناني، وجنود الجيش اللبناني، والقياديّون في الحكومة اللبنانية وفي البلديّات حيث نعمل، والعاملون في اليونيفيل. ونعتزّ بالقول إنّ السنوات الأربع الماضية كانت الفترة الأكثر هدوءًا طوال سنوات عدّة. ولست أقول ذلك وحدي، فقد سمعته من مرجعيّات لبنانيّة أيضًا، كما يمكنكم رؤيته من خلال البنية التحتيّة الجديدة الّتي يتمّ بناؤها، إضافةً إلى المؤسّسات الصغيرة الجديدة التي تنشأ في كلّ أنحاء المنطقة. 

تعمل اليونيفيل بالتعاون الوثيق مع الجيش اللبناني، ونحن نضمن التنسيق التام في كافّة أنشطتنا. هذا التنسيق لا يعني أنّ الجيش اللبناني يمكنه عمليًّا مرافقة كلّ من دوريّات اليونيفيل الـ350 اليوميّة. فالجيش اللبناني يتولّى المسؤوليّة الأولى عن الأمن والقانون والنظام في المنطقة. أمّا اليونيفيل، فهي بأهميّة إمكانيّاتها، تسيّر الدوريّات في منطقة العمليّات، وتراقب وقف الأعمال العدائيّة، وتساعد الجيش اللبناني. إلى ذلك، تسيّر اليونيفيل دوريّات منسّقة مع الجيش اللبناني، وقد أقامت معه حواجز متجاورة في مواقع رئيسيّة في منطقة العمليّات. كذلك، يقيم الجيش اللبناني حواجز ثابتة لإيقاف المركبات المارّة وتفتيشها. 

يهدف تنفيذ القرار 1701 كما عمليّات اليونيفيل إلى ضمان استتباب الاستقرار في هذه المنطقة، وخلق شعور بالأمان والحماية عند أهالي الجنوب حتّى يعيشوا بسلام ويتطلّعوا إلى المستقبل. وقد تتسبب هذه الأنشطة أحيانًا باضطرابات، لكن في جميع الأحوال يستحيل أن تشكّل واجهةً لأهداف مخبّأة. ذلك أنّ وجودنا في لبنان، بعيدًا عن ديارنا، لا يُراد منه إلاّ مساعدتكم على العيش بسلام، إذ نساهم بكل الوسائل المتاحة لنا في حمايتكم وفي إرساء الاستقرار في المنطقة. وإنّ حفظة السلام يحاولون دائمًا بذل قصارى جهدهم لمساعدتكم وحمايتكم؛ ولاشكّ في الوقت نفسه أنّ وجود اليونيفيل كان سيصعب لولا دعمكم القويّ. 

لقد شئت، من خلال هذه الرسالة، أن أسألكم التفهّم والتعاون المستمرّ لمساعدتنا على تنفيذ مهمّتنا الصعبة. فوحدات اليونيفيل تتغيّر دوريًّا، وتمضي كلّ منها هنا ما بين ٤ و ١٢ شهرًا، لذا، فإمكانيّة وقوع بعض الأخطاء موجودة باستمرار، لكنّ النيّة تبقى أبدًا ضمان الأمن والاستقرار في هذه المنطقة. 

أرجو أن تفيد هذه الرسالة في التوصّل إلى فهم أكبر بيننا لهدفنا المشترك، حتّى نتمكّن جميعًا من العمل معًا من أجل السلام فيجنوب لبنان. 

مع أطيب تمنيّاتي، 

اللواء ألبرتو أسارتا كويباس 
رئيس بعثة اليونيفيل وقائد القوّة.