حان الوقت للحديث عن الخط الأزرق: العمل البنّاء على الخط الأزرق مفتاح الاستقرار

5 مارس 2021

حان الوقت للحديث عن الخط الأزرق: العمل البنّاء على الخط الأزرق مفتاح الاستقرار

الخط الأزرق، الذي يمتد لمسافة 120 كيلومتراً على طول حدود لبنان الجنوبية، هو مفتاح السلام في المنطقة. إنه ليس حدوداً، ولكنه مجرد "خط انسحاب". الخط وضعته الأمم المتحدة في عام 2000 لغرض عملي هو تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وهو لا يخلّ بأي اتفاقيات حدودية مستقبلية بين هاتين الدولتين العضوين في الأمم المتحدة.

لطالما كان الخط الأزرق مؤقتاً، وحفظة السلام التابعين لليونيفيل هم حراسه المؤقتون. عندما ترغب السلطات الإسرائيلية أو اللبنانية القيام بأي أنشطة بالقرب من الخط الأزرق، مثل أعمال الصيانة أو الأنشطة الأمنية، تطلب اليونيفيل من كلا الطرفين الابلاغ عن ذلك مسبقاً. وهذا يسمح لليونيفيل بإبقاء السلطات من جميع الأطراف على اطلاع، وذلك بغية تقليل امكانية وقوع أي سوء فهم يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات. وفي نهاية المطاف، الأمر يعود لإسرائيل ولبنان لتحديد المسار الدقيق للحدود المستقبلية. في غضون ذلك، ينصب تركيز اليونيفيل على الحفاظ على الهدوء والاستقرار على طول هذه الحدود الهشّة، وكذلك تجنب الاستفزازات والحوادث غير الضرورية التي قد تؤدي إلى أزمة وربما نشوب نزاع. غني عن القول انه يجب احترام الخط الأزرق بكامله من قبل الأطراف، مع الاشارة الى أن أي عبور للخط الأزرق من أي جانب يشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، ونحن في اليونيفيل نتعامل مع جميع الانتهاكات بالطريقة نفسها.

يعتمد الخط الأزرق على خرائط تاريخية مختلفة، يعود بعضها إلى ما يقرب من 100 عام. والخط الذي استمدته الأمم المتحدة من هذه الخرائط في عام 2000 لا يُترجم دائماً بوضوح على الأرض. بعد حرب عام 2006، أصبح الخط الأزرق أحد العناصر المركزية في القرار 1701، ومنذ عام 2007 عملت اليونيفيل مع الأطراف على وضع علامات مرئية - "البراميل الزرقاء" الشهيرة – التي توضح المسار الدقيق للخط الأزرق. وكل برميل من البراميل الزرقاء البالغ عددها 272 والتي تحدد الخط حالياً لم يوضع الا بعد تدقيق معقد واتفاق من كلا الجانبين. من خلال المساعي الحميدة وآليات الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها اليونيفيل، يعد الخط الأزرق أحد المجالات القليلة التي استمرت الأطراف في العمل عليها. كل برميل من البراميل الزرقاء يمثل إجماعاً بعد أن تم التفاوض عليه بعناية، وتم على أساس ذلك بناء الاستقرار الحالي في المنطقة. ومع ذلك، لا يزال نصف طول الخط الأزرق بدون علامات على الأرض في يومنا هذا.

في حين أن معظم الأراضي وعرة، الا أنها ليست مهجورة. على الجانب اللبناني على وجه الخصوص، أنشطة المزارعين والقرويين تتم على مقربة من الخط الأزرق، وأحياناً عبر الخط. وبسبب عدم وجود علامات مرئية في بعض الأماكن، يجتاز الناس والحيوانات الخط من جانب إلى آخر دون أن ينتبهوا بالضرورة الى ذلك. وكل اجتياز، حتى لو كان غير مقصود، هو انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 تقوم اليونيفيل بتسجيله حسب الأصول وتقدم فيه تقريراً إلى مجلس الأمن. بيد أن انتهاكات الخط الأزرق ليست كلها عرضية. بعض هذه الانتهاكات، مثل الاحتلال الإسرائيلي المستمر للنصف الشمالي من بلدة الغجر، هي انتهاكات معروفة ومستمرة. وبعضها الآخر لا يمكن التنبؤ به - بل وحتى عدائي. وأي عمل منفرد من قبل الأطراف يصبح مصدراً لتوتر كبير.

في الأربعة عشر عاماً الماضية، وبفضل القادة المعنيين والالتزام بالاستقرار من كلا الجانبين، تم حلّ العديد من الحوادث بسرعة. ومما لا شك فيه أن العديد من الحوادث الأخرى تم تفاديها من خلال التعليم الواضح للخط الأزرق.

لكن السلام هش. فعلى الرغم من أننا نتمتع الآن بهدوء نسبي، إلا أنه يمكن أن ينهار في لحظة، ويعرف الناس الذين يعيشون على طول الخط الأزرق هذا الأمر جيداً. لم تختف الأسباب الأساسية للنزاع، ففي أي يوم، يمكن أن يتسبب خطأ بسيط في لحظة متوترة في اندلاع هذا البركان الكامن، وبالتالي إنهاء الاستقرار الهش الحالي الذي عملنا جميعا بلا كلل لتأمينه. العواقب المحتملة لمثل هذا الخطأ هي التي تجعلنا، أنا والعديد من زملائي حفظة السلام، لا ننام.

الأخطاء يمكن تجنبها من خلال احترام الخط الأزرق بكامله، حيث يساعد تحديد الأجزاء المتبقية من الخط الأزرق في تجنب الاستفزازات العرضية وغير الضرورية التي يمكن أن تتصاعد إلى نزاع، والتي يمكن أن تسبب بدورها معاناة إنسانية هائلة. لا داعي للقول أنه من مصلحة الجميع المضي قدماً في هذا الأمر. لقد وضع كلا الجانبين خلافاتهما الحقيقية جانباً للانخراط بشكل بناء في تعليم أجزاء من الخط الأزرق في الماضي. ونحن الآن بحاجة إلى إنهاء هذا العمل. كما اننا بحاجة إلى إعادة الانخراط في هذه القضية والبناء على النجاح السابق وعلى اتفاق الإطار الذي وقعته الأطراف مؤخراً.

القيام بذلك يتطلب إرادة سياسية. ويتطلب شجاعة، أعلم أن كلا الجانبين يمتلكها. حان وقت العمل، واليونيفيل على استعداد للمساعدة.

- افتتاحية بقلم رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول

 

---------------------------------------------

نشر هذا المقال في 5 آذار 2021 في:
جريدة النهار - باللغة العربية
جريدة ذا ديلي ستار - باللغة الإنكليزية
جريدة لوريون لوجور - باللغة الفرنسية